أعلن البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس عن قراره بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، في خطوة تعكس استمرار توجهه نحو تيسير السياسة النقدية. ويعد هذا الخفض الخامس من نوعه منذ أن بدأ البنك المركزي في تخفيف سياسته النقدية في يونيو/حزيران من العام الماضي، مما يعكس قلقه إزاء حالة التباطؤ الاقتصادي في منطقة اليورو، رغم بعض الإشارات الإيجابية التي ظهرت في البيانات الاقتصادية الأخيرة.
وبموجب هذا القرار، يرتفع سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي إلى 2.75%، في حين كانت توقعات الأسواق تشير إلى احتمال كبير – تجاوز 90% – لاتخاذ هذه الخطوة. ورغم هذا التوجه التيسيري، لا تزال اقتصاديات منطقة اليورو تعاني من حالة ضعف عام، مع استقرار معدل التضخم عند مستوى أعلى بقليل من الهدف المحدد من قِبل البنك المركزي الأوروبي عند 2%.
دوافع قرار البنك المركزي الأوروبي
في بيان رسمي، أكد البنك المركزي الأوروبي أن مسار خفض التضخم يسير وفق التوقعات، مشيرًا إلى أن التضخم المحلي لا يزال مرتفعًا، نتيجة لاستمرار تكيف الأجور والأسعار في بعض القطاعات مع تداعيات موجة التضخم السابقة. وأوضح البنك أن وتيرة نمو الأجور بدأت في التباطؤ وفقًا للتوقعات، كما أن الأرباح تلعب دورًا جزئيًا في تعويض التأثيرات التضخمية، مما عزز من مبررات التخفيف النقدي.
وجاء هذا القرار وسط حالة من الترقب في الأسواق المالية، خاصة في ظل تطورات السياسة التجارية الأمريكية. وبحسب مراقبين، فإن صناع القرار في البنك المركزي الأوروبي شعروا ببعض الارتياح بعدما أحجمت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية شاملة، وهو الأمر الذي كان من شأنه تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، لا تزال تهديدات الحروب التجارية تلقي بظلالها على التوقعات الاقتصادية، حيث إن فرض رسوم جمركية جديدة قد يؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي وزيادة الضغوط التضخمية، مما قد يعرقل جهود البنك المركزي في دعم الاقتصاد.
تأثيرات القرار على الأسواق المالية
إلى جانب خفض سعر الفائدة الرئيسي، قرر البنك المركزي الأوروبي أيضًا تقليص معدل الفائدة على عمليات الإقراض للبنوك، حيث تم خفض معدل الفائدة على الإقراض لأجل أسبوع من 3.15% إلى 2.90%، بينما انخفض معدل الفائدة لليلة واحدة من 3.40% إلى 3.15%. ومن المنتظر أن تؤثر هذه القرارات على تكلفة الاقتراض في منطقة اليورو، مما قد يسهم في تحفيز النشاط الاقتصادي، لا سيما في ظل استمرار الضغوط على قطاعي الخدمات والتصنيع.
ومن المقرر أن تعقد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، مؤتمرها الصحفي المعتاد في تمام الساعة 13:45 بتوقيت غرينتش، حيث سيترقب المستثمرون تصريحاتها بشأن السياسة النقدية المستقبلية، والتطورات المحتملة في الأسواق المالية، إضافة إلى موقف البنك المركزي من التحديات التجارية العالمية وارتفاع التضخم في بعض القطاعات الحيوية.
آفاق السياسة النقدية الأوروبية
يأتي هذا الخفض الجديد في إطار سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى دعم التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو، لكن تبقى التحديات قائمة. ففي ظل المخاوف المتعلقة بالنمو الاقتصادي والتضخم، سيظل البنك المركزي الأوروبي في حالة مراقبة مستمرة للأسواق، مع احتمالية اتخاذ مزيد من التدابير إذا استدعت الحاجة.
وفي النهاية، لا يزال الطريق نحو استقرار اقتصادي مستدام يتطلب توازنًا دقيقًا بين دعم النمو وكبح التضخم، وهو ما يضع البنك المركزي الأوروبي أمام معضلة مستمرة في رسم سياساته النقدية خلال الأشهر المقبلة.