أطلق المستثمر الملياردير راي داليو، مؤسس صندوق التحوط الشهير بريدجووتر أسوشيتس، تحذيرًا قويًا من أن الارتفاع الكبير في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي قد أدى إلى خلق “فقاعة” جديدة في الأسواق الأمريكية، شبيهة بتلك التي شهدها العالم خلال أزمة الدوت كوم أواخر التسعينيات. وأشار داليو في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز إلى أن “التقييمات الحالية للأسهم وصلت إلى مستويات مفرطة في ظل استمرار المخاطر المرتبطة بأسعار الفائدة المرتفعة، وهو مزيج قد يؤدي إلى انفجار هذه الفقاعة قريبًا”.
طفرة غير مسبوقة ومخاطر كامنة
يأتي هذا التحذير في وقت تشهد فيه أسهم شركات الذكاء الاصطناعي قفزات هائلة، مدفوعة بالتطورات التكنولوجية المتسارعة والتوقعات المستقبلية الواعدة. لكن داليو يرى أن هذه الطفرة تجاوزت حدود المنطق، محذرًا من أن المستثمرين يخلطون بين النجاح الفعلي للتكنولوجيا والنجاح المتوقع للاستثمارات المرتبطة بها.
وأضاف: “ما نشهده الآن يذكرني بما حدث بين عامي 1998 و1999، حيث كانت هناك تكنولوجيا جديدة ومؤثرة بالفعل، لكن التقييمات المرتفعة والتوقعات المبالغ فيها أدت في النهاية إلى انهيار السوق”.
ذكريات مؤلمة من أزمة الدوت كوم
تاريخيًا، كانت أزمة الدوت كوم واحدة من أبرز المحطات التي أظهرت مخاطر المبالغة في تقييم شركات التكنولوجيا. ففي أواخر التسعينيات، قفز مؤشر ناسداك 100 بمعدل الضعف خلال عام 1999، لكنه فقد نحو 80% من قيمته بحلول عام 2002 عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في تشديد سياسته النقدية.
اليوم، يبدو الوضع مشابهًا مع تضاعف مؤشر ناسداك 100 منذ بداية عام 2023، مدفوعًا بارتفاع أسهم شركات مثل إنفيديا، الرائدة في صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن هذه القفزات تحمل في طياتها مخاطر كبيرة في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ التوقعات بشأن تخفيض أسعار الفائدة.
المنافسة الصينية تدخل على الخط
في تطور لافت، أعلنت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية DeepSeek عن إطلاق نموذج جديد للذكاء الاصطناعي ينافس النماذج الأمريكية الرائدة مثل تلك التي طورتها OpenAI وMeta. ويمتاز النموذج الصيني بكونه أقل تكلفة وأكثر كفاءة من حيث متطلبات الأجهزة، مما وجه ضربة قوية لأسهم الشركات الأمريكية، حيث فقدت شركة إنفيديا وحدها نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد.
هذا التقدم الصيني يثير تساؤلات جدية حول جدوى الاستثمارات الضخمة التي تضخها شركات وادي السيليكون في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، ويبرز قدرة الصين على المنافسة رغم القيود الأمريكية المفروضة على تصدير الشرائح المتطورة.
سباق تكنولوجي بأبعاد جيوسياسية
لم يكتفِ داليو بالحديث عن المخاطر الاقتصادية، بل أشار إلى أن السباق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي يتجاوز الربحية ليصل إلى صراع جيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين. وأكد أن هذا الصراع يحمل أبعادًا استراتيجية تتعلق بالتفوق العسكري والاقتصادي على حد سواء.
وقال داليو: “الذكاء الاصطناعي أصبح ساحة معركة حاسمة بين القوى الكبرى. ومن الواضح أن الرأسمالية وحدها، أو السعي وراء الأرباح فقط، لن يكون كافيًا للفوز في هذا السباق”. ودعا إلى تدخل حكومي أكبر لدعم الابتكار التكنولوجي وضمان التفوق في هذا المجال الحاسم.
نظرة إلى المستقبل
مع تصاعد التحذيرات من فقاعة الذكاء الاصطناعي، يبقى السؤال المطروح هو: هل سيتعلم المستثمرون من دروس الماضي؟ أم أن الأسواق ستشهد تصحيحًا قاسيًا يعيد للأذهان أزمة الدوت كوم؟ في كلتا الحالتين، يبدو أن العالم مقبل على مرحلة جديدة من التحديات الاقتصادية والتكنولوجية، حيث ستكون الحكومات والشركات في سباق مستمر لتحقيق التفوق في عصر الذكاء الاصطناعي.