شهدت عملة “بيتكوين” تراجعًا حادًا هو الأكبر منذ أكثر من ثلاثة أشهر، في ظل موجة انخفاض أوسع أثرت على الاستثمارات ذات الطابع المضاربي. يأتي ذلك بعد أن اتخذ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي موقفًا أكثر حذرًا بشأن خفض أسعار الفائدة، مما أثار مخاوف في الأسواق حول آفاق السياسة النقدية في المستقبل القريب.
انخفضت “بيتكوين” بنسبة تجاوزت 5% يوم الأربعاء، مما دفع العملة الرقمية الأكبر عالميًا إلى مستويات قريبة من 100 ألف دولار، وهو مستوى يُعدّ محوريًا في الأسواق. صباح الخميس، تم تداول العملة عند 101,810 دولارات، مسجلة انخفاضًا إضافيًا بنسبة 2.3% خلال الـ 24 ساعة الأخيرة. ولم تكن “بيتكوين” العملة الوحيدة التي تواجه ضغوطًا، إذ انخفضت أيضًا عملات رئيسية مثل “إيثريوم”، “إكس آر بي”، و”دوج كوين”، والتي تُعتبر من بين الخيارات الأكثر تفضيلًا لدى المستثمرين المضاربين.
تأثير قرارات الفيدرالي
خفض الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض للمرة الثالثة على التوالي، إلا أنه قلّص التوقعات بشأن عدد مرات خفض الفائدة خلال عام 2025. وأوضح رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أن أي تخفيض إضافي في أسعار الفائدة سيعتمد على تحقيق تقدم ملموس في السيطرة على التضخم المستمر.
في تعليق على هذه التطورات، أشار توني سيكامور، محلل الأسواق في شركة “آي جي أستراليا”، إلى أن نتائج اجتماع الفيدرالي لم تكن مفاجئة للمستثمرين الذين يراقبون عن كثب البيانات الاقتصادية الأخيرة. ومع ذلك، أضاف سيكامور أن هذه النتائج شكّلت عاملًا محفزًا لتقليص السيولة الزائدة الموجهة نحو الأصول عالية المخاطر، بما في ذلك الأسهم والعملات المشفرة.
ردود فعل الأسواق
في أعقاب قرار الفيدرالي، ارتفع مؤشر الدولار الأميركي، بينما شهدت الأسهم والسندات العالمية تراجعًا. كما زادت حالة عدم اليقين بفعل الخلافات المستمرة حول مشروع قانون تمويل الحكومة الأميركية، مما رفع احتمالات حدوث إغلاق حكومي جزئي. وشهدت العقود الآجلة للأسهم الأميركية تقلبات ملحوظة في تداولات صباح الخميس.
مكاسب قوية قبل التراجع
جاء التراجع الأخير لعملة “بيتكوين” بعد موجة صعود قوية شهدتها منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر الماضي. فقد ارتفعت العملة بنسبة 50%، وسجلت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 108,316 دولارًا في وقت سابق من الأسبوع الجاري. هذا الصعود القوي كان مدعومًا بتصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي تعهد بتخفيف القيود التنظيمية على العملات المشفرة في الولايات المتحدة، بل وأعرب عن دعمه لإنشاء مخزون وطني استراتيجي للعملات الرقمية.
آفاق مستقبلية
رغم التراجعات الأخيرة، يرى بول فيراديتاكات، الشريك المدير في “بانتيرا كابيتال”، أن الأسس التي تدعم “بيتكوين” لا تزال قوية، مع توقعات إيجابية لمسار العملة على المدى الطويل. ومع ذلك، أشار إلى أن بعض المستثمرين ربما فضلوا جني الأرباح في أعقاب اجتماع الفيدرالي، مما ساهم في الضغط على الأسعار.
ورغم التحذيرات المتكررة بشأن الارتفاع المفرط في زخم العملات المشفرة وغياب المعايير التقليدية لتقييمها، فإن تأييد ترامب للعملات الرقمية أعاد بعض التفاؤل إلى السوق. وفي المقابل، كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد فرضت قيودًا صارمة على هذه الصناعة عقب انهيار السوق في عام 2022، وهو الانهيار الذي كشف عن عمليات احتيال واسعة وممارسات مالية محفوفة بالمخاطر.
تظل الأسواق في حالة ترقب، حيث يُنظر إلى التوازن بين السياسة النقدية الأميركية وتطورات العملات الرقمية كعامل رئيسي في تحديد مسار “بيتكوين” والعملات المشفرة الأخرى خلال الفترة المقبلة.