يواصل الذهب أداءه القوي مسجلًا سابع ارتفاع أسبوعي على التوالي، مدفوعًا بمخاوف الأسواق من تصاعد التوترات التجارية العالمية، في ظل مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفرض تعريفات جمركية متبادلة. وعلى الرغم من بعض عمليات جني الأرباح التي أدت إلى تراجع الأسعار يوم الجمعة، إلا أن المعدن النفيس ظل محافظًا على مساره الصاعد، مدعومًا بالطلب القوي من المستثمرين الذين يسعون إلى التحوط ضد التقلبات الاقتصادية والتضخم المتزايد.
تراجع مؤقت في الأسعار لا يعكس الاتجاه العام
شهد سعر الذهب الفوري انخفاضًا بنسبة 0.9% ليصل إلى 2,901 دولارًا للأوقية يوم الجمعة، متراجعًا من مستوياته القياسية التي بلغها في وقت سابق من الأسبوع عند 2,942.70 دولارًا. ورغم هذا التراجع، فإن المعدن الأصفر لا يزال على مسار تحقيق مكاسب أسبوعية تتجاوز 1%، مما يعكس استمرار الطلب القوي عليه كملاذ آمن وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي.
كما تراجعت العقود الآجلة للذهب الأميركي بنسبة 1% لتستقر عند 2,916 دولارًا للأوقية، في ظل عمليات جني الأرباح التي أقدم عليها بعض المستثمرين بعد سلسلة الارتفاعات المتتالية. ووفقًا لجيم ويكوف، كبير المحللين في “كيتكو ميتالز”، فإن “الأسواق تشهد بعض عمليات البيع من قبل المتداولين في العقود الآجلة قصيرة الأجل بعد الارتفاع القوي الذي شهده الذهب صباح اليوم.”
عوامل داعمة لاستمرار الزخم الصعودي
على الرغم من التراجع اللحظي، لا تزال النظرة العامة للذهب إيجابية، إذ يرى أليكس إبكاريان، المدير التنفيذي في “أليجنس جولد”، أن الاتجاه الصاعد مدعوم بعوامل متعددة، من بينها ارتفاع التعريفات الجمركية، واستمرار الضغوط التضخمية، وضعف الدولار الأميركي. كما يشير إبكاريان إلى تزايد التحول من الذهب الورقي إلى الذهب الفعلي، وهو ما يعزز من الاتجاه الصعودي للمعدن النفيس.
وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد المخاوف بشأن تداعيات سياسات الحماية التجارية التي ينتهجها الرئيس الأميركي، حيث وجه ترامب فريقه الاقتصادي يوم الخميس بوضع خطط لفرض تعريفات جمركية متبادلة على الدول التي تفرض ضرائب على الواردات الأميركية. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما قد يزيد من جاذبية الذهب كأداة للتحوط من انخفاض القوة الشرائية للعملات الورقية.
بيانات التضخم وتأثيرها على السياسة النقدية
في سياق متصل، ساهم تقرير مؤشر أسعار المنتجين الأميركي (PPI)، الصادر يوم الخميس، في تهدئة بعض المخاوف المتعلقة بالتضخم بعد أن أظهر تباطؤًا طفيفًا في الأسعار. وجاء ذلك بعد تقرير مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الذي فاق التوقعات في وقت سابق من الأسبوع، مما عزز المخاوف من استمرار الضغوط التضخمية في أكبر اقتصاد في العالم.
وبناءً على هذه البيانات، يتوقع المستثمرون أن يبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة دون تغيير حتى شهر سبتمبر، مع استمرار القلق بشأن التضخم المرتفع. كما أظهرت بيانات سوق العمل انخفاضًا في طلبات إعانات البطالة، مما يشير إلى استمرار متانة الاقتصاد الأميركي، وهو عامل قد يبطئ من أي تحركات مستقبلية نحو خفض الفائدة.
الفضة تحقق مكاسب قوية وسط ارتفاع الطلب
وبينما يواصل الذهب تعزيز مكاسبه، حظيت الفضة أيضًا بزخم قوي، حيث ارتفع سعرها الفوري بنسبة 2.2% ليصل إلى 33.06 دولارًا للأوقية، وهو أعلى مستوى لها منذ 31 أكتوبر 2024. وأوضح إبكاريان أن الطلب على الفضة يشهد نموًا ملحوظًا على أساس سنوي، في وقت يتراجع فيه المعروض، وهو ما يفسر استمرار ارتفاع الأسعار، لا سيما في ظل بحث المستثمرين عن بدائل أقل تكلفة من الذهب.
حركة المعادن النفيسة الأخرى
أما المعادن النفيسة الأخرى، فقد شهدت أداءً متباينًا؛ حيث تراجع البلاتين بنسبة 0.4% ليستقر عند 990.95 دولارًا للأوقية، بينما انخفض البلاديوم بنسبة 0.8% إلى 986.25 دولارًا. ورغم هذا التراجع اللحظي، فإن جميع المعادن الثلاثة—الذهب والفضة والبلاتين—تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية.
نظرة مستقبلية
مع استمرار التوترات التجارية وارتفاع التضخم، من المرجح أن يظل الذهب في دائرة الضوء كمخزن آمن للقيمة. ويرى المحللون أن أي تصعيد إضافي في السياسات الحمائية، أو أي دلائل على تباطؤ اقتصادي عالمي، قد تدفع بالمعدن النفيس إلى مستويات قياسية جديدة في الأسابيع المقبلة.