شهدت الأسواق المالية الأمريكية صدور بيانات التوظيف الأمريكية للقطاع الخاص غير الزراعي، والتي جاءت دون التوقعات، مما يعكس بعض التباطؤ في سوق العمل. فقد أظهرت البيانات تسجيل 143 ألف وظيفة فقط خلال شهر يناير، مقارنةً بالتوقعات التي أشارت إلى إضافة 169 ألف وظيفة. وكانت القراءة السابقة قد بلغت 256 ألف وظيفة، مما يجعل التقرير الحالي ذو طابع سلبي في نظر المحللين.
وعلى الرغم من ذلك، جاءت بعض المؤشرات الأخرى إيجابية، حيث تراجع معدل البطالة إلى 4%، وهو مستوى أفضل من المتوقع الذي كان يشير إلى استقرار النسبة عند 4.1% كما كانت عليه سابقًا. إضافةً إلى ذلك، أظهرت بيانات الأجور نموًا بنسبة 4.1% على أساس سنوي، متجاوزةً التوقعات التي قدرت النمو عند 3.8%، ما قد يعزز مخاوف الفيدرالي الأمريكي بشأن التضخم.
عوامل أثرت على تقرير التوظيف
يرى محللو شركة Wolfe Research أن بيانات التوظيف لشهر يناير ربما تأثرت بعوامل خارجية، من بينها حرائق الغابات المميتة في لوس أنجلوس، حيث يُتوقع أن يكون لهذه الكارثة تأثير سلبي على سوق العمل يقدر بنحو 20,000 وظيفة مفقودة، بناءً على تأثيرات مشابهة لكوارث طبيعية سابقة. كما يُعتقد أن موجة البرد القاسية التي اجتاحت الولايات المتحدة الشهر الماضي قد أضافت المزيد من الضغوط على سوق العمل.
ورغم هذه البيانات الضعيفة، يرى المحللون أن التأثير لن يكون كافيًا لإحداث تغيير جوهري في السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي. فقد أوضح تقرير Wolfe Research أن البنك المركزي الأمريكي لا يزال متمسكًا بموقفه “المتشدد” تجاه السياسة النقدية ولن يتسرع في تغيير توجهاته بناءً على تقرير واحد، خاصة أن سوق العمل لا يزال يتمتع بمرونة نسبية.
توجهات الفيدرالي الأمريكي
في اجتماعه الأخير، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الإبقاء على أسعار الفائدة عند نطاق 4.25% – 4.5%، متجاهلًا الدعوات إلى خفض الفائدة في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن التداعيات الاقتصادية لسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب. وكان رئيس الفيدرالي جيروم باول قد صرح في وقت سابق بأن المسؤولين “لا يرون ضرورة للاستعجال” في تغيير السياسة النقدية، مما يعكس استمرار نهج الحذر لدى البنك المركزي.
رد فعل الأسواق المالية
على الرغم من القراءة السلبية لتقرير الوظائف، شهد مؤشر الدولار الأمريكي ارتفاعًا بنسبة 0.28% في تعاملات ما بعد صدور البيانات، وذلك بحلول الساعة 16:32 بتوقيت السعودية، حيث يرى المستثمرون أن قوة الأجور وتراجع البطالة قد تدفع الفيدرالي إلى تأخير خفض الفائدة.
أما في سوق المعادن الثمينة، فقد تذبذب سعر الذهب، حيث يتم تداول الذهب الفوري حاليًا عند مستوى 2,860 دولارًا للأوقية، في حين تراجعت العملة الرقمية الأكبر البيتكوين بنسبة تفوق 1% لتسجل 97,682 دولارًا للعملة الواحدة.
وبالنسبة لسوق الأسهم، فقد شهدت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية بعض التراجع الطفيف، حيث انخفضت عقود مؤشر داو جونز بمقدار 28 نقطة فقط، بينما هبط مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 0.18%، وتراجع مؤشر ناسداك بنسبة 0.22%، في ظل تزايد حالة الترقب لدى المستثمرين بشأن مستقبل السياسة النقدية.
التوقعات المستقبلية
يراقب المستثمرون عن كثب الخطوات القادمة للفيدرالي، حيث تُظهر التوقعات المستندة إلى عقود الفائدة الآجلة أن البنك المركزي قد يتجه إلى أول خفض للفائدة في شهر مايو المقبل، في حين كانت التوقعات السابقة تشير إلى يونيو. ومع ذلك، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة وفقًا لمسار الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر المقبلة ومدى استجابة التضخم وأسواق العمل لمتغيرات السياسة النقدية.
يبقى السؤال الأبرز في الأسواق: هل سيتجه الفيدرالي الأمريكي نحو خفض الفائدة قريبًا، أم أن بيانات الأجور والتضخم ستدفعه إلى تمديد فترة التشديد النقدي؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف المسار الحقيقي للسياسة النقدية الأمريكية وتأثيرها على الأسواق العالمية.