شهدت الأسواق الأمريكية تراجعًا ملحوظًا يوم الجمعة، رغم صدور بيانات إيجابية لسوق العمل، حيث هيمنت مخاوف التضخم وتصاعد التوترات التجارية على مشهد التداولات. جاء هذا التراجع مدفوعًا بنتائج دراسة مؤشر ميشيغان لتوقعات المستهلك، والتي أظهرت ارتفاعًا غير متوقع في توقعات التضخم على المدى القصير، مما أثار مخاوف بشأن استمرار الضغوط التضخمية وتأثيرها على القوة الشرائية وثقة المستثمرين.
تصاعد مخاوف التضخم رغم بيانات العمل الإيجابية
كشفت الدراسة الاستقصائية الصادرة عن جامعة ميشيغان أن المستهلكين باتوا أكثر قلقًا بشأن مسار التضخم خلال الأشهر المقبلة، إذ ارتفعت توقعاتهم للتضخم السنوي إلى 4.3%، مقارنة بـ 3.3% في يناير. يمثل هذا الارتفاع الشهري بمقدار نقطة مئوية واحدة أكبر زيادة منذ نوفمبر 2023، وهو ما يؤكد تزايد المخاوف بشأن ارتفاع الأسعار وسط استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي.
في حين لم تتغير التوقعات طويلة الأجل بشكل كبير، حيث ارتفع معدل التضخم المتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة إلى 3.3%، بزيادة طفيفة قدرها 0.1 نقطة مئوية، إلا أن التأثير الأكبر انعكس على المعنويات قصيرة الأجل، ما أدى إلى موجة من التراجع في أسواق الأسهم.
ترامب يعيد شبح التعريفات الجمركية والتوترات التجارية تتصاعد
على الرغم من تأجيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك، فإن التهديدات المتجددة بفرض رسوم جمركية على شركاء تجاريين رئيسيين، من الصين إلى الاتحاد الأوروبي، أسهمت في تعميق مخاوف الأسواق. وجاء رد الفعل سريعًا من بكين، التي فرضت تعريفات جمركية انتقامية، مما عزز التوقعات بعودة التوترات التجارية إلى الواجهة، وهو ما قد يؤثر سلبًا على تدفقات التجارة العالمية وأسعار السلع.
وتعليقًا على هذه التطورات، قالت جوآن هسو، مديرة الدراسة الاستقصائية بجامعة ميشيغان:
“يبدو أن العديد من المستهلكين قلقون من عودة التضخم المرتفع خلال العام المقبل. هذه هي خامس مرة فقط خلال 14 عامًا نشهد فيها زيادة شهرية بمقدار نقطة مئوية أو أكثر في توقعات التضخم السنوية.”
رد فعل الأسواق: تراجع حاد في مؤشرات الأسهم
جاءت هذه البيانات في وقت حساس للأسواق المالية، حيث أدى تصاعد القلق بشأن التضخم إلى هبوط ملحوظ في مؤشرات الأسهم الأمريكية. فمع صدور تقرير جامعة ميشيغان، سجل مؤشر داو جونز الصناعي تراجعًا بأكثر من 200 نقطة في التعاملات المبكرة، قبل أن يقلص بعض خسائره لاحقًا. كما انخفض مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 0.57%، بينما شهد مؤشر ناسداك هبوطًا أكثر حدة بنسبة 0.88%، متكبدًا أكبر نسبة خسائر بين المؤشرات الرئيسية، في ظل تراجع أسهم قطاع التكنولوجيا.
تدهور معنويات المستهلكين وسط المخاوف الاقتصادية
لم يقتصر التأثير السلبي على أسواق المال، بل انعكس أيضًا على ثقة المستهلكين، حيث تراجع مؤشر ميشيغان الرئيسي إلى 67.8 نقطة، مسجلًا انخفاضًا بنسبة 4.6% عن الشهر السابق، وبتراجع حاد بلغ 11.8% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وجاءت هذه القراءة أقل من توقعات الاقتصاديين، الذين توقعوا أن يصل المؤشر إلى 71.3 نقطة.
وأشارت هسو إلى أن هذا التراجع الحاد في مؤشرات الدراسة الاستقصائية يعكس إدراك المستهلكين لتأثير التعريفات الجمركية المحتمل، حيث قالت:
“يبدو أن الأسواق تدرك أن الوقت قد يكون قد فات لتجنب التداعيات السلبية للسياسات التجارية الحالية.”
كما سجل مؤشر الظروف الحالية تراجعًا إلى 68.7 نقطة، بانخفاض نسبته 7.2% عن يناير و13.5% عن العام الماضي، فيما انخفض مؤشر التوقعات المستقبلية إلى 67.3 نقطة، متراجعًا بنسبة 2.9% عن الشهر السابق و10.5% على أساس سنوي.
الذهب يلمع كملاذ آمن وسط التوترات الاقتصادية
في ظل هذه الأجواء الضبابية، ووسط تصاعد المخاوف بشأن التضخم والتوترات التجارية، شهد الذهب ارتفاعًا قويًا، حيث سجلت أسعار الذهب الفورية مستوى 2,882 دولارًا للأوقية، فيما بلغت أسعار الذهب الآجلة 2,906 دولارًا للأوقية، بارتفاع يقارب 1%. ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة الإقبال على الذهب كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين، خاصة مع ارتفاع توقعات التضخم التي تدفع المستثمرين إلى التحوط ضد فقدان القوة الشرائية.
تأتي هذه التطورات لتؤكد أن الأسواق الأمريكية لا تزال تواجه تحديات متعددة، رغم المؤشرات الإيجابية في سوق العمل. وبينما تلقي توقعات التضخم المتزايدة بظلالها على المعنويات الاستثمارية، فإن استمرار التوترات التجارية قد يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي. ومع استمرار ارتفاع أسعار الذهب كملاذ آمن، يبقى السؤال المطروح: هل تستطيع الأسواق استيعاب هذه المخاطر، أم أن المزيد من التقلبات في الطريق؟