شهدت الصناعات التحويلية الأمريكية انتعاشًا ملحوظًا في يناير، حيث سجل القطاع أول نمو له منذ أكثر من عامين، مدفوعًا بزيادة قوية في الطلبات الجديدة. إلا أن هذا التحسن تزامن مع ارتفاع حاد في تكاليف المواد الخام، ما قد يحد من استدامة هذا الانتعاش، خصوصًا في ظل السياسات الحمائية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية.
ووفقًا لبيانات معهد إدارة التوريدات الأمريكي (ISM)، ارتفع مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع (PMI) إلى 50.9 نقطة في يناير، مقارنة بـ 49.2 في ديسمبر، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ سبتمبر 2022. وهذا هو الارتفاع الأول فوق مستوى 50 منذ أكتوبر 2022، وهو الحد الفاصل بين الانكماش والنمو، مما يعكس توسعًا في النشاط الصناعي، الذي يمثل 10.3% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
آفاق التصنيع في ظل التعريفات الجمركية
رغم هذا التحسن، يخشى المحللون أن يكون النمو قصير الأمد، خصوصًا بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية جديدة بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى زيادة تكاليف المواد الخام للمصانع الأمريكية، مما قد يضغط على هوامش الأرباح ويعطل سلاسل التوريد.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه الصناعات التحويلية ضغوطًا متزايدة، خاصة بعد سلسلة من قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بمقدار 5.25 نقطة مئوية خلال عامي 2022 و2023، في محاولة لكبح جماح التضخم. ورغم أن البنك المركزي خفّض الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس منذ سبتمبر، إلا أنه أوقف دورة التيسير النقدي في يناير وسط ضبابية المشهد الاقتصادي والسياسي.
تحسن الطلبات الجديدة وارتفاع تكاليف الإنتاج
أحد العوامل الإيجابية التي دعمت نمو القطاع هو الارتفاع القوي في الطلبات الجديدة، حيث صعد المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة في مسح ISM إلى 55.1 نقطة في يناير، مقارنة بـ 52.1 في ديسمبر، مما يشير إلى تسارع وتيرة الإنتاج الصناعي.
لكن في المقابل، سجل مؤشر الأسعار المدفوعة من قبل المصنعين أعلى مستوى له في ثمانية أشهر، حيث ارتفع إلى 54.9 نقطة في يناير، مقابل 52.5 في ديسمبر، وهو ارتفاع يفوق توقعات المحللين التي كانت تشير إلى 53.5 نقطة فقط. ويعكس هذا الارتفاع الضغوط التضخمية التي قد تؤثر على هوامش أرباح الشركات الصناعية، لا سيما مع بدء تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة.
التوظيف والواردات في القطاع الصناعي
إضافة إلى ذلك، شهد سوق العمل الصناعي تحسنًا ملحوظًا، إذ ارتفع مؤشر التوظيف في قطاع التصنيع إلى 50.3 نقطة في يناير، مقارنة بـ 45.4 في ديسمبر، مما يشير إلى توسع فرص العمل في المصانع الأمريكية للمرة الأولى منذ مايو.
وعلى صعيد الواردات، أظهرت البيانات نموًا ملحوظًا، حيث سارعت الشركات المصنعة إلى تأمين المواد الخام قبل بدء سريان التعريفات الجديدة، وهو ما قد يفسر جزئيًا التحسن في أداء القطاع خلال الشهر الماضي.
انعكاسات السوق على الذهب والدولار
على صعيد الأسواق المالية، ارتفعت أسعار الذهب تزامنًا مع هذه التطورات الاقتصادية، حيث صعدت العقود الآجلة للذهب بنسبة 1% لتصل إلى 2863 دولارًا للأوقية، بينما ارتفعت العقود الفورية بنسبة 0.81% إلى 2823 دولارًا للأوقية.
في المقابل، حقق مؤشر الدولار الأمريكي مكاسب قوية، مرتفعًا بنسبة 0.83% ليصل إلى 109.11 نقطة، مدعومًا بالتطورات الاقتصادية وزيادة التوقعات حول توجهات السياسة النقدية المستقبلية في الولايات المتحدة.
رغم أن بيانات يناير تعكس بوادر انتعاش في قطاع التصنيع الأمريكي، إلا أن استمرار هذا النمو يظل مرهونًا بمدى قدرة الشركات على التعامل مع ارتفاع تكاليف المواد الخام وتأثيرات الرسوم الجمركية الجديدة. وبينما تعكس البيانات الحالية تحسنًا في الطلب والإنتاج، إلا أن التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع قد تعيق استدامة هذا الزخم خلال الأشهر المقبلة.