شهدت الأسواق المالية الأمريكية موجة بيع حادة انعكست سلبًا على قوة الدولار الأمريكي، وسط تزايد المخاوف بشأن تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على النمو الاقتصادي العالمي. وفي ظل هذه التحديات، تتباين التوقعات حول مسار الدولار، حيث أجرى بنك نومورا الياباني تحليلًا معمقًا للسيناريوهات المحتملة التي قد تؤثر على توجهات العملة الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
سيناريوهات محتملة لمسار الدولار الأمريكي
يستعرض الخبراء في نومورا سيناريوهين رئيسيين لتطورات الأسواق وتأثيرها على الدولار الأمريكي:
1. سيناريو الانخفاض الحاد في الأسهم وضعف الدولار
في حال استمرت عمليات البيع المكثفة في أسواق الأسهم الأمريكية خلال الأسابيع المقبلة، خاصة إذا سجل مؤشر ناسداك تراجعًا بنسبة 20% أو أكثر من أعلى مستوياته، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف الدولار الأمريكي. ويرجع ذلك إلى احتمالية قيام الاحتياطي الفيدرالي بتسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة استجابةً للضغوط الاقتصادية المتزايدة.
ويحذر المحللون من أن هذه الموجة البيعية قد لا تقتصر على الأسواق المحلية، بل قد تتفاقم مع عمليات بيع أجنبية صافية حادة للأسهم الأمريكية، ما يزيد من الضغوط على العملة الأمريكية. كما أن هذا السيناريو قد يدفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – في حال عودته إلى البيت الأبيض – إلى التركيز على تحفيز الاقتصاد من خلال الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لمزيد من التيسير النقدي، وربما زيادة الإنفاق الحكومي لتحقيق الاستقرار في الأسواق بدلاً من المضي قدمًا في فرض تعريفات جمركية جديدة.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد يقلل من مخاطر الرسوم الجمركية على الصين، إلا أن السياسات التجارية الأمريكية قد تظل موجهة نحو استهداف بكين من زوايا مختلفة، وفقًا لاستراتيجية “أمريكا أولًا” التي يتبناها ترامب.
وفي ظل ضعف الاقتصاد الأمريكي وتراجع الدولار، قد تبدأ الأسواق في التركيز على العجز المزدوج في الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى إعادة تقييم العملة الأمريكية عالميًا، وسط توقعات بتراجع قيمتها بنسبة تصل إلى 20%.
2. سيناريو التصحيح المعتدل للأسهم واستمرار قوة الدولار
في حال شهدت الأسواق تصحيحًا تدريجيًا بدلاً من الانخفاض الحاد، مع تراجع مؤشر ناسداك بنسبة 10% فقط من أعلى مستوياته، فقد لا يكون ذلك كافيًا لإضعاف ثقة المستثمرين في قوة الاقتصاد الأمريكي.
وقد يؤدي هذا التصحيح المعتدل إلى زيادة طفيفة في توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في عام 2025، إلا أن تأثيره قد يكون محدودًا، خاصة في ظل استمرار سياسات ترامب التجارية، والتي قد تشمل فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الأجنبية.
وفي هذا السياق، إذا لم تشهد الأسواق موجة بيع واسعة، فمن المرجح أن تمضي الإدارة الأمريكية قدمًا في فرض تعريفات جمركية إضافية، خاصة بعد تحقيق ترامب نجاحات سياسية، مثل تعزيز نفوذه في كولومبيا وتثبيت أعضاء حكومته الرئيسيين، إلى جانب استمرار التهديدات باتخاذ إجراءات حمائية على المدى القريب.
وتحت هذا السيناريو، قد يستمر الدولار الأمريكي في الحفاظ على قوته مدعومًا بتفوق النمو الاقتصادي الأمريكي واستمرار التضخم عند مستويات مرتفعة، مما قد يحد من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على تخفيف سياسته النقدية. كما أن تنفيذ التعريفات الجمركية قد يعزز من جاذبية الدولار كملاذ آمن، ما يزيد من قوته مقابل العملات الأخرى.
التوقعات المستقبلية: بين الضغوط الاقتصادية والسياسات التجارية
في ظل هذه التطورات، يبقى مسار الدولار الأمريكي مرهونًا بتفاعل الأسواق مع العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، حيث سيحدد مدى تراجع الأسهم الأمريكية واتجاهات السياسة النقدية والتجارية مستقبل العملة الأمريكية. وبينما يترقب المستثمرون قرارات الاحتياطي الفيدرالي وسياسات الإدارة الأمريكية المقبلة، يبقى السؤال الأهم: هل سيواصل الدولار تفوقه أم أن الضغوط الاقتصادية ستدفعه نحو التراجع؟