شهدت الأسواق المالية العالمية تقلبات حادة في الأيام الأخيرة، مع تسجيل موجة بيع واسعة في أكبر أسواق السندات الحكومية على مستوى العالم. تزامن ذلك مع ارتفاع مستمر في قيمة الدولار الأمريكي، ما أثار مخاوف كبيرة بين المستثمرين بشأن تأثير السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب.
ارتفاع عوائد السندات وتأثيرها على الأسواق
قفز العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، التي تعد معيارًا رئيسيًا لتريليونات الدولارات من المعاملات المالية العالمية، إلى أعلى مستوى له منذ أبريل عند 4.7%. وفي بريطانيا، وصلت عوائد السندات إلى مستويات لم تشهدها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، بينما سجلت السندات الألمانية لأجل 10 سنوات أعلى عائد لها خلال خمسة أشهر عند 2.524%.
أما في اليابان، فقد ارتفعت العوائد إلى أعلى مستوى لها خلال 13.5 عامًا، مما يعكس الضغوط المتزايدة على السوق العالمية للسندات. يشير هذا الارتفاع في العوائد إلى انخفاض أسعار السندات، ما يعكس قلق المستثمرين بشأن مستقبل السياسات النقدية والمالية.
تأثير الدولار على العملات والأسواق
ارتفع الدولار الأمريكي بقوة مقابل العملات الرئيسية، مما تسبب في ضغوط إضافية على الأسواق. انخفض الجنيه الإسترليني بأكثر من 1% قبل أن يستعيد بعض خسائره، بينما اقترب اليورو من حاجز التعادل مع الدولار. هذا التحرك يعكس التوترات المتزايدة في الأسواق العالمية، حيث تتأثر العملات بشكل مباشر بارتفاع عوائد السندات الأمريكية.
في الولايات المتحدة، أظهر مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” تذبذبًا واضحًا، حيث فقد زخمه الصعودي الذي تبع فوز ترامب. ومع ذلك، أنهى المؤشر تداولات الأربعاء دون تغيير كبير، في إشارة إلى حالة من الترقب والحذر بين المستثمرين.
السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب تحت المجهر
أثارت خطط الرئيس المنتخب دونالد ترامب لزيادة الرسوم الجمركية وخفض الضرائب وتخفيف القيود التنظيمية مخاوف من تفاقم التضخم وتأثير ذلك على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. وفي تصريحاته الأخيرة، انتقد ترامب ارتفاع أسعار الفائدة، معتبرًا أن التضخم لا يزال مرتفعًا، ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.
تشير تقديرات الخبراء إلى أن ارتفاع علاوة الأجل، وهو الفارق الذي يطلبه المستثمرون للاحتفاظ بالسندات طويلة الأجل، يمثل 85% من الزيادة في عوائد السندات منذ منتصف سبتمبر. هذا الارتفاع يعكس توقعات الأسواق بتحديات أكبر في المستقبل، خاصة مع زيادة الإصدارات الحكومية للسندات.
زيادة الإمدادات وتأثيرها على العوائد
تعمل الحكومات العالمية على تعزيز ماليتها العامة من خلال زيادة الإصدارات من السندات. في أوروبا، قامت ألمانيا ببيع سندات بقيمة 5 مليارات يورو لأجل 10 سنوات، بينما أصدرت إيطاليا سندات خضراء طويلة الأجل. في الولايات المتحدة، تواجه الخزانة الأمريكية تحديًا كبيرًا مع استحقاق 14.6 تريليون دولار من الديون خلال العامين المقبلين، مما يدفعها إلى تمديد آجال الديون وزيادة الإصدارات طويلة الأجل.
المشهد البريطاني: أزمة جديدة أم تكرار للأزمات السابقة؟
في بريطانيا، أدت الاضطرابات في سوق السندات إلى مقارنات مع أزمة الميزانية المصغرة لعام 2022، بينما يرى البعض أنها تشبه أزمة الديون في السبعينيات. شهدت الأسواق ارتفاعًا حادًا في تكاليف الاقتراض طويلة الأجل وانخفاضًا في قيمة الجنيه الإسترليني، مما يشير إلى تراجع ثقة المستثمرين في قدرة الحكومة على السيطرة على التضخم والديون الوطنية.
تعكس التطورات الأخيرة في الأسواق المالية العالمية حجم التحديات التي تواجهها الاقتصادات الكبرى مع اقتراب تسلم إدارة ترامب الجديدة للسلطة. وبينما تتباين الآراء حول مستقبل السياسات الاقتصادية، يبقى المستثمرون في حالة ترقب وحذر، مع استمرار المخاوف من تأثير ارتفاع العوائد وزيادة الإصدارات الحكومية على الاستقرار المالي العالمي.