مع بداية عام 2025، يجد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، نفسه أمام تحدٍ معقد يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على استقلالية البنك المركزي ومواجهة الضغوط السياسية التي قد تنشأ من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب. هذه المرحلة الجديدة تضع باول في موقع حساس، حيث يتعين عليه إدارة السياسة النقدية بحذر، دون أن يظهر كأنه يتصدى استباقيًا لسياسات الإدارة القادمة.
في الأشهر الأخيرة، برزت ملامح هذه الموازنة الصعبة. فبعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، أكد باول أن الاحتياطي الفيدرالي لن يتكهن بشأن تأثير السياسات المستقبلية على أسعار الفائدة. ومع ذلك، فإن التوقعات الاقتصادية الصادرة عن البنك تشير إلى أن المسؤولين يأخذون في الاعتبار بالفعل بعض التغييرات المحتملة في السياسات الاقتصادية.
تحولات في السياسة النقدية
في ديسمبر الماضي، خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، مكملًا سلسلة تخفيضات بلغت نقطة مئوية كاملة منذ سبتمبر. ومع ذلك، أظهرت التوقعات المحدثة ميلًا أكثر حذرًا تجاه التيسير النقدي، حيث توقع المسؤولون إجراء تخفيضين فقط في أسعار الفائدة خلال عام 2025، مقارنة بأربعة تخفيضات كانت متوقعة سابقًا.
تُظهر هذه التعديلات حرص الاحتياطي الفيدرالي على التعامل مع المخاطر التضخمية المحتملة، خاصة في ظل توقعات تشير إلى أن معدل التضخم قد يبلغ 2.5% في عام 2025، مقارنة بالتوقعات السابقة عند 2.2%. هذا الحذر يعكس قلقًا متزايدًا بين مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، حيث يرى 15 من أصل 19 مسؤولًا خطرًا واضحًا في تجاوز التضخم للتوقعات.
أجندة ترامب وتأثيراتها الاقتصادية
تُعد السياسات الاقتصادية المقترحة من قبل إدارة ترامب أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على قرارات الاحتياطي الفيدرالي. تشمل هذه السياسات التعريفات الجمركية وسياسات الهجرة الأكثر صرامة، والتي قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة التكاليف وضعف المعروض من العمالة. وعلى الرغم من تقليل باول من أهمية تأثير هذه السياسات على توقعات التضخم، إلا أن البيانات الأخيرة دفعت البنك إلى مراجعة نهجه.
استقلالية الاحتياطي الفيدرالي تحت المجهر
للحفاظ على سمعة الاحتياطي الفيدرالي كجهة مستقلة، نصح باول زملاءه بتجنب الإدلاء بتصريحات قد تُفسر على أنها تحمل تحيزًا سياسيًا. ويأتي هذا التوجه في إطار جهود البنك للحفاظ على مصداقيته واتخاذ قرارات قائمة على البيانات الاقتصادية فقط.
النظرة المستقبلية
في ظل الظروف الحالية، يتوقع المحللون أن يتعامل الاحتياطي الفيدرالي بحذر مع أي تغييرات اقتصادية قد تنجم عن سياسات الإدارة الجديدة. ويرى خبراء اقتصاديون أن التحديات الحالية تختلف عن تلك التي واجهها البنك خلال ولاية ترامب الأولى، حيث إن التضخم كان حينها منخفضًا، على عكس المستويات المرتفعة التي نشهدها الآن.
يرى البعض أن قدرة الشركات على تمرير التكاليف الإضافية إلى المستهلكين ستلعب دورًا كبيرًا في تحديد مدى تأثير السياسات الجديدة على التضخم. كما أن التوظيف الكامل الحالي قد يجعل الشركات أكثر ميلاً لرفع الأسعار، مما قد يساهم في إبقاء التضخم مرتفعًا لفترة أطول.
في النهاية، يواجه جيروم باول وفريقه في الاحتياطي الفيدرالي تحديات تتطلب مزيجًا من الحذر والمرونة، حيث يتعين عليهم الموازنة بين الاستجابة للمستجدات الاقتصادية والحفاظ على استقلالية البنك المركزي، وهو تحدٍ سيحدد ملامح السياسة النقدية للسنوات المقبلة.