شهد سوق العملات الرقمية موجة تراجع حادة خلال الأسبوع الماضي، في ظل ضغوط اقتصادية وسياسية متزايدة ألقت بظلالها على أداء العملات الرقمية الكبرى. تصدرت البيتكوين (BTC) قائمة الخاسرين بانخفاض تجاوز 9%، لتستقر عند مستوى 95,114.2 دولارًا، وهو أدنى مستوى لها منذ أغسطس الماضي. هذا التراجع يُعد الأكبر خلال الأشهر الأخيرة، مما يعكس مدى تأثر السوق بإشارات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة حول السياسات النقدية.
عوامل التراجع: سياسات الفيدرالي وتأثيراتها
تأتي هذه الانخفاضات في أعقاب تصريحات من الاحتياطي الفيدرالي أشارت إلى تقليص عدد تخفيضات الفائدة المتوقعة خلال العام المقبل. بالإضافة إلى ذلك، أكدت المؤسسة استمرار حظرها لامتلاك البيتكوين، مع عدم وجود نية لتغيير هذا القانون. هذه التطورات أثارت قلق المستثمرين، حيث زادت من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل العملات الرقمية في ظل السياسات النقدية المتشددة.
وفي هذا السياق، أوضح أندريه دراغوش، رئيس الأبحاث في أوروبا لدى شركة Bitwise، أن البيتكوين قد تواجه مزيدًا من الضغوط في الأسابيع المقبلة. وأشار إلى أن السياسات النقدية الحالية تعكس رغبة الفيدرالي في السيطرة على التضخم المتصاعد، وهو ما قد يحد من جاذبية الأصول ذات المخاطر العالية، بما في ذلك العملات الرقمية.
وأضاف دراغوش: “مؤشرات التضخم الأخيرة، مثل مؤشر Truflation، تظهر ارتفاعًا جديدًا في الأسعار، مما يضع الفيدرالي في موقف حرج بين محاولة تخفيف تأثير التشديد المالي ومنع موجة تضخم جديدة شبيهة بما حدث في السبعينيات”.
تأثير ارتفاع الدولار وعوائد السندات
إلى جانب ذلك، شهدت الأسواق ارتفاعًا ملحوظًا في عوائد سندات الخزانة الأمريكية بواقع 14 نقطة أساس، مما أدى إلى زيادة تكلفة الاقتراض. كما ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2022، مما جعل الأصول المقومة بالدولار أكثر تكلفة على المستثمرين العالميين.
أداء العملات الرقمية الأخرى
لم تكن البيتكوين وحدها ضحية هذه التقلبات؛ فقد سجلت العملات الرقمية الرئيسية الأخرى انخفاضات ملحوظة. تراجع الإيثيريوم (ETH) بنسبة 2% ليصل إلى 3,284 دولارًا، بينما انخفض XRP بنسبة 4% ليستقر عند 2.18 دولار. العملات الميم مثل دوجكوين (DOGE) وشيبا إينو (SHIB) لم تكن بمعزل عن هذا الاتجاه، حيث انخفضت بنسبة 3% و2% على التوالي.
أما العملات البديلة، فقد شهدت خسائر أكبر. على سبيل المثال، هبطت عملة MOVE بنسبة 20%، بينما تراجعت Hyperliquid (HYPE) بنسبة 19% بعد تصدرها قائمة العملات الرابحة في الأيام السابقة.
مكاسب محدودة وسط التراجعات
رغم هذا الاتجاه السلبي، استطاعت بعض العملات تحقيق مكاسب إيجابية. سجلت AAVE ارتفاعًا بنسبة 9% لتصل إلى 324 دولارًا، كما ارتفعت FTT وALGO بنسبة 8% و7% على التوالي، مما يعكس مرونة بعض المشاريع الرقمية في مواجهة التقلبات السوقية.
التطورات السياسية وتأثيرها على السوق
على الصعيد السياسي، شهدت صناعة العملات الرقمية دعمًا جديدًا مع تعيين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لبوهينز كمدير تنفيذي للجنة الاستشارية الرئاسية للأصول الرقمية. تهدف هذه اللجنة، التي يرأسها ديفيد ساكس، إلى تعزيز الابتكار في مجال الأصول الرقمية ودعم تطوير العملات الرقمية على مستوى عالمي.
وفي سياق آخر، أثارت تصريحات بيتر شيف، المعروف بدعمه للاستثمار في الذهب، جدلًا واسعًا بعد اقتراحه خطة بديلة للاحتفاظ باحتياطي استراتيجي من البيتكوين. وبينما انتقد البعض هذه المقترحات، يرى آخرون أنها تعكس تحولًا تدريجيًا نحو قبول البيتكوين كأصل رقمي استراتيجي.
نظرة مستقبلية
تشير توقعات المحللين إلى استمرار الضغوط على سوق العملات الرقمية في المستقبل القريب، خاصة مع ارتفاع عوائد السندات وقوة الدولار. ومع ذلك، يرى خبراء أن هذه التراجعات قد تمثل فرصة استثمارية للشراء على المدى الطويل، خصوصًا في ظل الندرة التي تميز البيتكوين كمورد رقمي محدود.
في الوقت ذاته، يعكس الانخفاض في مؤشر الخوف والجشع، الذي تراجع من 59 إلى 54، حالة من الحذر بين المستثمرين. ومع ذلك، يُتوقع أن يتحسن التفاؤل تدريجيًا مع ظهور إشارات إيجابية في السوق.
يبقى سوق العملات الرقمية مرهونًا بالعوامل الاقتصادية والسياسية العالمية، مع استمرار البيتكوين والعملات الرئيسية الأخرى في لعب دور محوري في تشكيل المشهد الرقمي. وبينما تواجه الأسواق تحديات كبيرة، فإن الابتكار والاعتراف المؤسسي المتزايد قد يفتحان آفاقًا جديدة للنمو في المستقبل.
