شهد اليورو انخفاضًا حادًا خلال تداولات السوق الأوروبية يوم الأربعاء، مسجلًا أدنى مستوياته خلال عام 2024 مقابل مجموعة من العملات الرئيسية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي. يأتي هذا الانخفاض في ظل تزايد المخاطر التي تواجه الاقتصاد الأوروبي، مما أدى إلى تراجع قيمة اليورو إلى ما دون حاجز 1.06 دولار للمرة الأولى منذ بداية العام. تتضمن هذه المخاطر التوترات السياسية المتصاعدة في ألمانيا، والتي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا، إضافةً إلى السياسات الاقتصادية المحتملة للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس المنتخب “دونالد ترامب”. تلك التحديات قد تدفع البنك المركزي الأوروبي إلى النظر في اتخاذ خطوات إضافية نحو تخفيف السياسة النقدية، عبر تسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة لمواجهة التحديات الاقتصادية المتنامية.
تراجع سعر صرف اليورو أمام الدولار
وفقًا للبيانات الصادرة، انخفض اليورو أمام الدولار بنحو 0.3% ليصل إلى مستوى 1.0593 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2023. بدأ التداول عند مستوى 1.0623 دولار وسجل أعلى مستوى عند 1.0629 دولار. الجدير بالذكر أن العملة الأوروبية كانت قد أنهت تعاملات يوم الثلاثاء على انخفاض بنسبة 0.25%، مما جعلها في سلسلة خسائر يومية متتالية على مدى الأيام الثلاثة الماضية. ويرجع هذا التراجع بشكل رئيسي إلى تنامي الشكوك بشأن استقرار الاقتصاد الأوروبي، إضافة إلى ضعف ثقة المستثمرين في استدامة الانتعاش الاقتصادي في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة.
توترات سياسية متصاعدة في ألمانيا
تشكل التوترات السياسية في ألمانيا جزءًا كبيرًا من الضغوط التي تواجه اليورو. فقد أشار المستشار الألماني “أولاف شولتز” إلى استعداده للدعوة إلى تصويت على الثقة قبل عطلة عيد الميلاد، مما يفتح المجال لاحتمال إجراء انتخابات مبكرة في فبراير 2025. وفي خطوة إضافية تعمق من التوترات، أعلن حزب الخضر الألماني، شريك شولتز في الائتلاف الحاكم، عن دعمه لدعوات المعارضة لإجراء تصويت برلماني مبكر. تمثل هذه الأزمة السياسية تهديدًا للاستقرار الاقتصادي والسياسي في ألمانيا، وقد تؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين وتجذب المزيد من الضغوط على العملة الأوروبية.
مخاطر التوترات التجارية مع الولايات المتحدة
تواجه أوروبا أيضًا ضغوطًا اقتصادية خارجية، حيث تتصاعد المخاوف بشأن التوجهات التجارية للإدارة الأمريكية الجديدة. فالرئيس المنتخب “دونالد ترامب” أعلن خلال حملته الانتخابية عن نيته فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية التي تُستورد إلى الولايات المتحدة. وتعتبر هذه الخطوة، إذا تم تنفيذها، تهديدًا مباشرًا للصادرات الأوروبية، وخصوصًا لصناعات السيارات والسلع الاستهلاكية، مما قد يشعل فتيل حرب تجارية عالمية ويزيد من ضغوط التضخم في أوروبا. إن استمرار ترامب في تبني سياسات “أمريكا أولًا” سيعمق من أزمة العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا، ويؤثر على أداء اليورو أمام الدولار.
البنك المركزي الأوروبي وقرارات السياسة النقدية
تترقب الأسواق المالية قرارات البنك المركزي الأوروبي بخصوص أسعار الفائدة، حيث تزايدت التوقعات بخفض الفائدة بنحو 25 نقطة أساس في ديسمبر المقبل بنسبة تصل إلى 50%. وتبقى هذه التوقعات مرهونة بصدور المزيد من البيانات الاقتصادية في منطقة اليورو، إضافةً إلى تصريحات مسؤولي البنك المركزي، الذين من المتوقع أن يراقبوا عن كثب المؤشرات الاقتصادية لمعرفة مدى تأثير الظروف السياسية والتجارية على استقرار السوق.
نظرة على توقعات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وتأثيرها على اليورو
في السياق المقابل، جاءت تصريحات رئيسي بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس “نيل كاشكاري” وبنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند “توماس باركين” يوم الثلاثاء، بلهجة أكثر تشددًا مما توقعته الأسواق، مما أثر على تسعير احتمالات خفض الفائدة الأمريكية في ديسمبر. ووفقًا لأداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة CME، انخفضت احتمالات خفض الفائدة الأمريكية من 68.5% إلى 60%، بينما ارتفعت احتمالات الإبقاء على معدلات الفائدة دون تغيير إلى 40%.
يترقب المستثمرون الآن صدور بيانات التضخم الرئيسية في الولايات المتحدة لشهر أكتوبر، والتي من المتوقع أن تلعب دورًا حاسمًا في تحديد اتجاه السياسة النقدية الأمريكية، حيث يمكن أن تؤدي بيانات تضخم أعلى من المتوقع إلى تراجع فرص خفض الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي، مما سيعزز الدولار أمام اليورو.
الخلاصة
في ظل هذه التطورات، يبقى اليورو في موقف ضعيف أمام الدولار، وتظل التوقعات المستقبلية مشوبة بالحذر. إن استمرار التوترات السياسية في ألمانيا، واحتمال فرض سياسات تجارية تقييدية من قِبل الولايات المتحدة، إضافةً إلى احتمالات استمرار تشديد السياسة النقدية الأمريكية، كلها عوامل تضيف المزيد من الضغوط على العملة الأوروبية وتجعلها عرضة لمزيد من التقلبات والانخفاضات.