شهدت أسعار الذهب اليوم ارتفاعًا ملحوظًا في تحركاتها، مدفوعة بجملة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي تلقي بظلالها على الأسواق العالمية. ويأتي هذا الارتفاع بعد الكشف عن بيانات إعانات البطالة الأمريكية، التي أظهرت مؤشرات مبدئية حول أداء الاقتصاد الأمريكي وتوجهاته المستقبلية، بالتزامن مع ترقب المستثمرين قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة، ما أثار حالة من الترقب والحذر في الأسواق.
سجلت العقود الآجلة للذهب ارتفاعًا بنسبة 0.56% لتصل إلى 2691 دولار للأوقية، فيما ارتفعت العقود الفورية بنسبة 0.9% إلى 2682 دولار للأوقية. يأتي هذا الصعود بعد أن هوت أسعار الذهب إلى أدنى مستوياتها خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، في ظل ارتفاع مؤشر الدولار الذي سجل مستوى هو الأعلى له منذ أربعة أشهر. وقد أثر هذا الارتفاع في الدولار سلبًا على جاذبية الذهب للمستثمرين من خارج الولايات المتحدة، نظرًا لارتفاع تكاليف شرائه.
وأثارت نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، التي شهدت عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، جملة من التساؤلات حول التوجهات النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. حيث يتوقع البعض أن يؤدي فوز ترامب إلى تغيير في سياسة خفض أسعار الفائدة، من خلال تباطؤ وتيرة التخفيضات أو تقليل حجمها، مما يضع مزيدًا من الضغط على الذهب كملاذ آمن ضد حالات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
في الوقت ذاته، يترقب المستثمرون تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، التي من المتوقع أن تكشف عن توجهات السياسة النقدية للفترة المقبلة. ويرى “كلفن وونغ”، كبير المحللين في “أواندا” لأسواق آسيا والمحيط الهادئ، أن سياسات ترامب الاقتصادية قد تؤدي إلى زيادات في معدلات التضخم، ما قد يترتب عليه إبطاء خفض أسعار الفائدة. وفي هذه الحالة، قد تتأثر أسعار الذهب سلبًا نتيجة ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة لحيازة هذا المعدن غير المنتج للعائد.
وفي ظل استمرار الضغوط على الأسواق، أعرب “بيتر فونغ”، رئيس قسم التعاملات في “وينغ فونغ للمعادن الثمينة”، عن ثقته في أن الذهب سيواصل الارتفاع على المدى الطويل، مرجحًا أن يصل إلى مستوى 3,000 دولار للأوقية في العام المقبل، حيث يعتبره الكثيرون ملاذًا آمنًا في ظل الأزمات.
أما بالنسبة للمعادن الأخرى، فقد شهدت هي الأخرى تراجعات متتالية. فقد انخفض سعر الفضة الفوري بنسبة 0.3% إلى 31.06 دولار للأوقية، بينما تراجع البلاتين بنسبة 0.6% ليصل إلى 981.05 دولار، وهبط البلاديوم بنسبة 1.1% ليبلغ 1,023.35 دولار للأوقية، مواصلة انخفاضها لليوم الثاني على التوالي.
يظل الذهب من أبرز الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون في أوقات الأزمات، لكن المتغيرات الاقتصادية والسياسية، لا سيما تلك المتعلقة بالسياسات النقدية الأمريكية، تضع ضغوطًا كبيرة على هذا المعدن النفيس وتجعل مساره المستقبلي مرهونًا بقرارات وتطورات معقدة تؤثر في جاذبيته الاستثمارية.