أكدت شركة “سبروت لإدارة الأصول” (Sprott Asset Management)، المتخصصة في إدارة الاستثمارات، أن الذهب قد دخل رسميًا “مرحلة صعودية جديدة”، بعد تسجيله أعلى سعر له على الإطلاق، متوافقًا بذلك مع توقعات العديد من المحللين الذين يرون أن هذا الارتفاع سيستمر خلال الفترة القادمة.
وفي مذكرة تحليلية، كتب بول وونغ، استراتيجي السوق لدى “سبروت”، أن ارتفاع سعر الذهب يُعزى إلى مجموعة من العوامل المحفزة، أبرزها زيادة مشتريات البنوك المركزية، ارتفاع الدين الأمريكي، وإمكانية وصول الدولار الأمريكي إلى ذروته قريبًا. وأضاف أن هذه العوامل مجتمعة تُعيد إحياء شهية المستثمرين نحو المعدن الأصفر كأداة استثمارية آمنة. وجاءت هذه التصريحات بعد أن لامس الذهب مستوى قياسيًا جديدًا بلغ 2700 دولار للأوقية يوم الاثنين الماضي.
حاليًا، يتم تداول الذهب الفوري عند 2758 دولارًا للأوقية، فيما سجّلت العقود الآجلة للذهب مستوى 2772 دولارًا للأوقية، ما يُعد الأعلى في تاريخ السوق.
العلاقة بين الدين الأمريكي وارتفاع أسعار الذهب
أوضح وونغ أن تصاعد الدين الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة يمثل أحد العوامل الجوهرية التي تدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع، مشيرًا إلى أن النسب المتزايدة للدين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي تزيد من المخاوف بشأن استدامة الدين العام واحتمالية لجوء الحكومة إلى خفض قيمة الدولار أو تحويل الديون إلى سيولة نقدية.
وأضاف وونغ: “تاريخيًا، أسفرت هذه الظروف عن إضعاف ثقة المستثمرين بالعملة الأمريكية، مما يجعل الذهب خيارًا أكثر جاذبية كمخزن للقيمة”.
وفقًا لتوقعات مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي، يُتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام من 98% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 إلى 181% بحلول عام 2053، وهو أعلى مستوى في تاريخ الولايات المتحدة. مع تصاعد الدين الحكومي، قد تلجأ الإدارة الأمريكية إلى طباعة المزيد من الأموال لتمويل العجز، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار، ويُعزز من جاذبية الذهب كأداة للتحوط من التضخم وتقلبات العملات.
توقعات مستقبلية للذهب وسط ضغوط التضخم
تتزامن هذه المرحلة الصعودية مع استمرار الضغوط التضخمية والتحديات الاقتصادية العالمية، مما يعزز إقبال المستثمرين والبنوك المركزية على الذهب. ووفقًا لمجلس الذهب العالمي، بلغت مشتريات البنوك المركزية من الذهب خلال النصف الأول من عام 2024 483 طنًا، بزيادة قدرها 5% عن الرقم القياسي المسجل في نفس الفترة من العام السابق.
توقع المحللون في عدة مؤسسات مالية أن أسعار الذهب ستواصل ارتفاعها، حيث رجّح بعضهم أن يتجاوز الذهب حاجز 2800 دولار للأوقية في الأشهر الثلاثة المقبلة، مع احتمالية وصوله إلى 3000 دولار قريبًا.
وأشار مايكل ويدمر، استراتيجي السلع في بنك أمريكا، إلى أن “الذهب في وضع أفضل الآن من أي وقت مضى”، معربًا عن ثقته في قرب تحقيق حاجز 3000 دولار، مدعومًا بارتفاع مستويات الدين الحكومي والاضطرابات الجيوسياسية المتزايدة.
كما أكّد محللو سيتي بنك وجهة النظر ذاتها، مرجحين أن يصل الذهب إلى 3000 دولار في غضون الستة إلى تسعة أشهر المقبلة. وأضافوا أن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مما سيعزز بدوره ارتفاع أسعار الذهب.
من جهته، صرّح فيفيك دهار، محلل الأسواق في بنك الكومنولث الأسترالي، في مذكرة أصدرها يوم الاثنين، أن ضعف الدولار الأمريكي قد يرفع متوسط سعر الذهب إلى 3000 دولار في الربع الرابع من العام المقبل. غير أنه أشار إلى أن الذهب قد يبلغ متوسط 2800 دولار خلال هذا الربع الحالي، مؤكدًا أن المسار الصعودي سيظل متماسكًا على المدى الطويل.
نظرة ختامية: الذهب في مواجهة تحديات الأسواق
مع استمرار التحديات الاقتصادية العالمية، وارتفاع مستويات الدين الحكومي، وتزايد التوترات الجيوسياسية، يبدو أن الذهب سيظل في دائرة اهتمام المستثمرين خلال الأشهر المقبلة. إن التطورات الحالية تشير إلى أن الذهب قد يعزز موقعه كملاذ آمن في مواجهة الضغوط التضخمية وضعف العملات الورقية، مما يمهد الطريق أمام تحقيق المزيد من الارتفاعات القياسية.